موضوع: [ محاسبة النفس ] الأحد مارس 27, 2011 4:52 am
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. بسم الله الرحمن الرحيم،،
قال العالم الرباني وشيخ الإسلام الثاني الإمام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله، في كتابه القيّم إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان :
ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل، ونوع بعده.
فأما النوع الأول: فهو أن يقف عند أول هَمّه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه. قال الحسن رحمه الله: "رحم الله عبداً وقف عند هَمِّه: فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر"
وشَرَحَ هذا بعضُهم؛ فقال: إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال وهَمّ به؛ وقف أولا ونظر: هل ذلك العمل مقدور له؛ أم غير مقدور ولا مستطاع؟ فإن لم يكن مقدوراً لم يُقْدِم عليه، وإن كان مقدوراً: وقف وقفة أُخرى ونظر: هل فعلُه خير له من ترْكه، أو تركه خير له من فعله؟ فإن كان الثاني تركه؛ ولم يُقْدِم عليه، وإن كان الأول؛ وقف وقفة ثالثة ونظر: هل الباعث عليه إرادة وجه الله عز وجل وثوابه، أم إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق؟ فإن كان الثاني؛ لم يُقْدِم عليه _ وإن أفضى به إلى مطلوبه _؛ لئلا تعتاد النفس الشرك. ويخفّ عليها العمل لغير الله، فبقدر ما يخف عليها ذلك؛ يثقل عليها العمل لله -تعالى-، حتى يصير أثقل شىء عليها، وإن كان الأول؛ وقف وقفة أُخرى، ونظر: هل هو مُعانٌ عليه، وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاجاً إلى ذلك؛ أم لا؟ فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه، كما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار، وإن وجده مُعاناً عليه فليُقْدِم عليه فإنه منصور، ولا يَفُوتُ النجاحُ إلا مِنْ فَواتِ خَصْلِةٍ من هذه الخصال؛ وإلا فمع اجتماعها لا يَفوته النجاحُ.
فهذه أربعةُ مقامات، يحتاج إلى محاسبة نفسه عليها قبل الفعل؛ فما كلُّ ما يريد العبد فعله يكون مقدوراً لَهُ، ولا كلُّ ما يكون مقدوراً له يكون فعله خيراً له من تركه؛ ولا كلُّ ما يكون فعله خيراً له من تركه؛ يفعله لله، ولا كل ما يفعله لله؛ يكون معاناً عليه، فإذا حاسب نفسه على ذلك تبين له ما يُقْدِمُ عليه، وما يُحْجِمُ عنه.
فصل
النوع الثانى: محاسبة النفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع:
- أحدها: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله -تعالى-؛ فلم توقعها على الوجه الذى ينبغي.
وحق الله -تعالى- فى الطاعة: ستة أمور قد تقدمت، وهى: الإخلاص فى العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول فيه، وشهود مشهد الإحسان فيه، وشهود منة الله عليه فيه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله. فيحاسب نفسه: هل وَفَّى هذه المقامات حقها؟! وهل أتى بها فى هذه الطاعة؟! - الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركُه خيراً له من فعله. - الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد: لِمَ فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؛ فيكون رابحا؟ أو أراد به الدنيا وعاجلها؛ فيَخْسَرَ ذلك الربح ويفوتَه الظَّفَرُ به.
انتهى كلامه رحمه الله، ص 162 المجلد الأول \ طبعة دار ابن الجوزي.